أختي المسلمة: لم المغامرة؟ لم التجريب؟ ليس لنا إلا عمر واحد.. وفرصة واحدة.. هما طريقان أيهما سلكنا وردنا على أهله، فكما لا يرجى من الشوك العنب، كذلك لا ينزل الله الفجار منازل الأبرار؛ فأي الطريقين تسلكين؟!
ما خلقنا الله إلا للعبودية، والمرأة المسلمة تزيد فوق الأمر بالصلاة والصيام والحج وسائر العبادات.. تزيد أمرًا آخر؛ وهو الأمر بالحجاب، إذن فالآمر هو الله.
وكذا في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأمر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- لا يكون مِن ورائه إلا كل خير في الدنيا والآخرة؛ ولذا أقول: أمامكِ طريقان: إما الحجاب والاحتشام والعفاف، وإما التبرج والسفور والابتذال، ولكل منهما معالم وأوصاف وخصائص.
أما الطريق الأول: فطريق أمهات المؤمنين ومَن تبعهن مِن المسلمات بإحسان إلى يوم الدين، طريق العفاف والحجاب، وأما ميزاته وثمراته فكثيرة.. منها:
الحجاب طاعة لله وعبودية: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا) (الأحزاب:36)، وقد أمر الله بالحجاب في أكثر من آية، منها: قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) (الأحزاب:59)، وقال -تعالى- للمؤمنات: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (النور:31)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، فهو طاعة أُمرتْ بها: كالصلاة والصيام؛ فهل تقول مسلمة: لا أصلي حتى أقتنع مثلاً؟! هذا لا يكون من المسلمة المحبة المعظـِّمة لربها سبحانه و-تعالى-.
الحجاب عفة: فبعد أن أمر الله النساء بالحجاب قال: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ) أي: بالعفة. (فَلا يُؤْذَيْنَ): فلا يتعرضن لهن الفساق بالأذى. وهذا واقع مشاهد.
الحجاب طهارة: قال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) (الأحزاب:53)، فالحجاب طهارة للقلوب؛ لأن العين إذا لم تر لم يشته القلب، وإذا غض الإنسان بصره كف القلب شهوته، والحجاب عون له على ذلك.
الحجاب ستر: والله يحب الستر، يقول -صلى الله عليه وسلم-: (أيُّما امْرَأةٍ نَزَعَتْ ثِيابَها في غَيْرِ بَيْتِها خَرَقَ الله -عَزّ َوجَلَّ- عَنْها سِتْرَهُ) (رواه أحمد والطبراني والحاكم، وصححه الألباني)، والجزاء مِن جنس العمل.
ولما نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجال عن إسبال الإزار بقوله: (مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: (يُرْخِينَ شِبْرًا). فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفَ أَقْدَامُهُنَّ. قَالَ: (فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لاَ يَزِدْنَ عَلَيْهِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، انظري أُختاه لشدة حرصهن على الستر، أمك "أم سلمة" -رضي الله عنها- تحرص على إطالة ثوبها وتخشى مِن انكشاف قدميها، وتناقش في ذلك.. فماذا عمن ترفع ثوبها أو تضيقه ليصف جسدها؟! بل وتناقش فيه أيضا؟!
الحجاب إيمان: ولذا نرى آيات الحجاب تركز على هذه الصفة: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ) (النور:31)، (وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ)، ولما دخل نسوة على عائشة -رضي الله عنها- وعليهن ثياب رقاق قالت لهن: "إن كنتن مؤمنات فليس هذا بلباس المؤمنات" (القرطبي 14/244).
الحجاب غيرة: فالرجل السوي يأنف أن تمتد النظرات الخائنة إلى زوجته وبناته ومحارمه خلافًا لمن يقر السوء في أهله ولا ينكره، يقول علي -رضي الله عنه-: "أَلا تَسْتَحْيُونَ أَوْ تَغَارُونَ؟ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءَكُمْ يَخْرُجْنَ فِي الأَسْوَاقِ يُزَاحِمْنَ الْعُلُوجَ" (رواه أحمد، وصححه الشيخ أحمد شاكر في المسند).
وهذه قصة مِن قصص الغيرة ذكرها الإمام ابن كثير -رحمه الله- في تاريخه، قال: "تقدمت امرأة إلى قاضي الري، فادعت على زوجها صداقها خمسمائة دينار، فأنكره فجاءت ببينة تشهد لها به، فقالوا: نريد أن تسفر لنا عن وجهها حتى نعلم أنها الزوجة أم لا؟ فلما صمموا على ذلك قال الزوج: لا تفعلوا، هي صادقة فيما تدعيه، فأقر بما أدعت ليصون زوجته عن النظر إلى وجهها، فقالت المرأة حين عرفت ذلك منه: "هو في حِلٍ من صداقي عليه في الدنيا والآخرة" (البداية والنهاية 11/81). مع أن الحكم الشرعي جواز كشف الوجه في هذه الحالة.
الحجاب حياء: فلكل دين خلق، وخلق الإسلام الحياء، (إنَّ الحَيَاءَ والإِيمانَ قُرِنا جَميعاً فإذا رُفِعَ أحدُهُما رُفِعَ الآخَرُ) (رواه الحاكم والبيهقي، وصححه الألباني)، وفي قوله -تعالى- عن ابنة الرجل الصالح شعيب لما أتت موسى -عليه السلام-: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) (القصص:25)، قال عمر -رضي الله عنه-: " جاءت تمشي على استحياء، قائلة بثوبها على وجهها، ليست بسلفع، خراجة ولاجة" (تفسير ابن كثير 6/238). والسلفع: الجريئة. ولاجة خراجة: كثيرة الولوج، وهو الدخول وكثرة الخروج.
وانظري لحياء عائشة -رضي الله عنها- وهي تقول: "كُنْتُ أَدْخُلُ بَيْتِي الَّذِي دُفِنَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَبِي فَأَضَعُ ثَوْبِي، وَأَقُولُ: إِنَّمَا هُوَ زَوْجِي وَأَبِي، فَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ مَعَهُمْ فَوَاللهِ مَا دَخَلْتُهُ إِلا وَأَنَا مَشْدُودَةٌ عَلَيَّ ثِيَابِي؛ حَيَاءً مِنْ عُمَرَ" (رواه أحمد، وصححه الألباني).
فإذا كان هذا حياء عائشة مِن ميت.. فأين حياء النساء مِن الأحياء.. ؟!
وتأملي معي الموقف التالي لامرأة أعجمية روسية، وقد أراد الروس استخراج بطاقات للنساء فباتت تبكي مِن الهم.. كيف تكشف وجهها للرجال! حتى ألهمت مخرجًا لذلك! فكان أن سودت وجهها بالفحم فظنوها سوداء والتقطت لها الصورة على ذلك! ونحن نقول هذه ضرورة تجيز للمرأة أن تكشف وجهها ولا داعي لتسويد الوجه، لكني أقول: هذا حياء امرأة أعجمية ليست عربية فأين نساؤنا منها؟
وأخرى تذهب للطبيب لألم في أذنها وهي مسنة فتكشف له عن أذنها فيقول لها: يا أمي أنا مثل ولدك! لا حرج عليك، فترد: أنت لا تريد إلا أذني وقد كشفتها لك! ما أجمل الحياء! إنه الحياء الذي إن غاب فعل الإنسان ما شاء.. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ) (رواه البخاري).
الحجاب مِن تقوى الله: قال الله -تعالى- (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف:26)، فلبس المرأة للحجاب مِن تقوى الله -عز وجل-، وهو وقاية لها مِن عقابه -سبحانه-.
تلك وباختصار ثمار وفضائل وخيرات وبركات الحجاب.