كتبه/ رجب أبو بسيسة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
العالم يندفع نحو المظاهر مصحوبًا بجفاف روحي وإيماني هائل ومزعج في نفس الوقت، ونحن جزء مِن المجتمع، تأثرنا بذلك بلا شك .
وهذا الأمر يحتاج إلى إعادة توازن بين الظاهر والباطن، وبين صورة العبادة وحقيقتها، ويحتاج إلى دراسة متأنية وتنبيه دائم ومستمر؛ لأن الانحراف اليوم يمتد خطره إلى الأجيال القادمة، خاصة بعد التقدم السريع في وسائل الاتصال والبث المباشر.
كما أننا نعيش في زمن ممتلئ بالتحديات، وهذه التحديات لا تتبخر بالتجاهل، بل تحتاج إلى قراءة جيدة لطبيعة المرحلة وتوجيهات وقائية، والمعلوم أن الوقاية خير مِن العلاج.
نعيش في زمن تفاقم فيه حب الظهور والصدارة والاعتداد بالرأي وحب الذات وتضخمها والمزاجية والتنكر لأصحاب الفضل والأيادي البيضاء .
والمتوقع أن هذه الآفات ستتفاقم أكثر في المرحلة القادمة، خاصة أن مَن يلاحظ الساحة اليوم يرى أن هناك أبوابًا فتحت مِن التأويل والترخص وقلة الورع والتساهل، وأصبح الجو مهيئاً لانتشار هذه الأمراض القاتلة، وقد يتحول الأمر إلى وباء فتاك يفتك بالأشخاص والتجمعات، ويهدد الاستقرار النفسي للمجتمع، والأمر يزداد تعقيدًا إنْ صاحب ذلك إهمال وعدم اهتمام بالعبادات التي تقوي القلب، وتثمر الخشية والمراقبة الذاتية، وتساعد على تأجيل الرغبات، وتجعل صاحبها يراعي نبل المقاصد وحراسة الخواطر والنيات، ونحن نوقن أن الأمة لا تنتصر إلا بالتجرد والإخلاص.
وهذا الاندفاع نحو المظاهر فقط يؤخر ولا يقدم، ويضعف ويربك الحركة إلى الأمام، ودائمًا ما يعقبه انهيار، ما لم يتداركه صاحبه بالتوبة الصادقة والاستقامة الحقيقية والتناغم بين الظاهر والباطن.
وانتشار هذه الآفات يزداد بها الباطل، ويطمع ويتجرأ علينا بسببها، وكما قال القائل: "فالزم الطاعة والعبودية؛ يؤخذ بيدك في المضائق، وتفرج بها الشدائد، ولا تجعل أعمالك جندًا عليك يزداد بها عدوك قوة عليك".
ولربما يُسَاوَم بها أصحاب النفوس التي ضعفت أمام بريق المظاهر والمناصب الزائفة، والتاريخ يشهد لذلك ويؤكد خطورة الأمر.
ونخشى إن لم نتدارك الأمر ونعيد التوازن المطلوب للشخصية العاملة لنصرة الحق أن تنحرف عن المسار وتستدرج؛ إذ العبد لا يستطيع مواصلة السير في هذا الطريق الشاق إلا بالعبادات والطاعات.
ومن أهم القضايا التي يجب أن نهتم بها في هذه الفترة: أن نهتم بالعبادات التي مِن شأنها إشباع الروح والقلب، وتعطي الطاقة الإيمانية، وتدفع لكل خير وفلاح، ويعظم بها المؤمن الحرمات، ويصلح بها السريرة، وكان الرجل مِن السلف يستحب أن تكون له خبيئة مِن عمل صالح لا يعلمها إلا الله.
وأيم الله؛ لو صحت أجسادكم ومرضت قلوبكم لكنتم أهون على الله مِن الجعلان.
وليس المقصود مِن هذا الكلام التهرُّب مِن التكاليف والتنصُّل منها، ولكن المقصود الحذر مِن فتنة التكالب على المناصب والظهور وتضخم الذات .
والله مِن وراء القصد.