لقد أجازت مجامع الفقه الإسلامي صكوك الاستثمار الإسلامية، ووضعت لها مجموعةً من الضوابط الشرعية التي تحكم إصدارها وتداولها، كما استنبط فقهاء المؤسسات المالية الإسلامية معايير قياس عوائدها (أرباحها) التشغيلية والرأسمالية، وكيفية توزيع تلك العوائد بين أصحاب هذه الصكوك (المشاركون) وبين الجهة المصدرة لها (المضارب) وبين أي جهة أخرى قد تكون ساهمت في عمليات إصدار الصكوك، وتداولها من حيث الترويج والتسويق وتقديم الضمانات، وغير ذلك من موجبات التعامل بها. ولقد أثيرت حول هذه الصكوك مجموعة من التساؤلات ..
تقديم عام
لقد أجازت مجامع الفقه الإسلامي صكوك الاستثمار الإسلامية، ووضعت لها مجموعةً من الضوابط الشرعية التي تحكم إصدارها وتداولها، كما استنبط فقهاء المؤسسات المالية الإسلامية معايير قياس عوائدها (أرباحها) التشغيلية والرأسمالية، وكيفية توزيع تلك العوائد بين أصحاب هذه الصكوك (المشاركون) وبين الجهة المصدرة لها (المضارب) وبين أي جهة أخرى قد تكون ساهمت في عمليات إصدار الصكوك، وتداولها من حيث الترويج والتسويق وتقديم الضمانات، وغير ذلك من موجبات التعامل بها.
ولقد أثيرت حول هذه الصكوك مجموعة من التساؤلات من بينها ما يلي:
● ما معنى صكوك الاستثمار الإسلامية؟
● ولماذا سُميت إسلامية؟
● ما الفرق بين الصك الاستثماري والسند بفائدة وبين السهم؟
● ما الخصائص المميزة للصكوك الاستثمارية عن غيرها من الأوراق المالية التقليدية؟
● ما حقوق حامل الصك؟ وما الضمانات من عدم التأميم والمصادرة والإذعان من قبل الحكومة أو غيرها؟
● هل للمصريين فقط أم لغير المصريين كذلك؟
● ما الضمانات للدولة من عدم المساس بسيادتها أو بأصولها الثابتة، ولضمان حفظ حقوق الأجيال القادمة أو أي حقوق لها؟
● هل تمويل التنمية من خلال هذه الصكوك سوف يساهم في علاج مشكلة العجز في الموازنة والمديونية؟
وهذا ما سوف نتناوله في هذه الدراسة مع التركيز على دورها في تحقيق التنمية الفعلية المستدامة والخروج من أزمة العجز في الموازنة وتضخم المديونية وحفظ سيادة مصر وحفظ أصولها، وتحقيق الخير للأجيال القادمة.
● معنى صكوك الاستثمار الإسلامية:
تقوم فكرة الصكوك الإسلامية على المشاركة في تمويل مشروع أو عملية استثمارية متوسطة أو طويلة الأجل وفقًا لقاعدة (الغنم بالغرم) -المشاركة في الربح والخسارة- على منوال نظام الأسهم في شركات لمساهمة المعاصرة، ونظام الوحدات الاستثمارية في صناديق لاستثمار؛ حيث تؤسس شركة مساهمة لهذا الغرض، ولها شخصية معنوية مستقلة، وتتولى هذه الشركة إصدار الصكوك اللازمة للتمويل وتطرحها للاكتتاب العام للمشاركين، ومن حق كل حامل صك المشاركة في رأس المال والإدارة والتداول والهبة والإرث ونحو ذلك من المعاملات المالية.
وقد تكون الجهة المصدرة لهذه الصكوك أحد المصارف الإسلامية أو أي بيت تمويل إسلامي أو شركة أو جهة حكومية لها شخصية معنوية، وتنشأ هذه الجهة وفقًا للقوانين المحلية السائدة في الدولة التي سوف تنشأ فيها، ويكون لها هيئة رقابة شرعية للتأكد من أن إصدارها واستثمارها وتداولها وتصفيتها يتم وفقًا لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وكذلك للقوانين والقرارات المنظمة لها.
● الخصائص المميزة للصكوك الإسلامية
من أهم الخصائص المميزة للصكوك الإسلامية ما يلي:
– يتكون رأس مال الصكوك (مقدار التمويل المطلوب) من وحدات استثمارية متساوية القيمة يُخوّل لصاحبها حصة شائعة في موجودات العملية أو المشروع موضوع التمويل بنسبة ملكيته من صكوك إلى إجمالي قيمة الصكوك.
– قد تكون الموجودات أعيانًا ثابتة أو متداولة أو حقوقًا معنوية أو نحو ذلك نحو ذلك وفقًا لصيغة حق الانتفاع في الأصول الثابت أو حق الرقبة في الأصول المتداولة.
– يتم تداول الصكوك بأي وسيلة من وسائل التداول الجائزة شرعًا وقانونًا؛ حيث إن لمالك الصك حق نقل ملكيته أو رهنه أو هبته أو نحو ذلك من التصرفات المالية من خلال شركات الوساطة المالية أو غيرها مما يجيزه القانون.
– يطبق على الصكوك الإسلامية بصفة أساسية صيغة فقه المشاركة في الربح والخسارة مثل الأسهم.
● تتمثل أطراف عقد الصكوك الإسلامية في الآتي:
- الجهة المصدرة للصكوك: (شركة ذات شخصية معنوية) وتمثل رب العمل، أي الجهة المنوطة بإدارة الصكوك وفقًا لفقه المشاركة ويطلق عليها: الشريك بالعمل.
- المشاركون في الصكوك: ملاك الصكوك ويمثلون الشركاء بالمال، ويطلق عليهم المستثمرون أو حملة الصكوك، وقد تستعين الجهة المصدرة للصكوك بالخبراء، والاستشاريين من التخصصات المختلفة في مجال إصدار الصكوك وتسويقها والتأمين ضد مخاطرها، ونحو ذلك من الأمور الموجبة لإنجاح إصدار وتداول الصكوك في الأسواق المالية.
- يتم توزيع العوائد (الأرباح) التشغيلية، وكذلك العوائد (الأرباح) الرأسمالية الناجمة من المشروع أو من العملية المستثمر فيها رأس المال (قيمة الصكوك) بين الجهة المصدرة وبين المشاركين في الصكوك بنسبة شائعة يتم الاتفاق والتراضي عليها، والمشار إليها في نشرة الاكتتاب ويجوز أن يعاد النظر فيها كل فترة باتفاق الطرفين.
● الفروق بين الصك والسند بفائدة
هناك فروق بين الصك والسند بفائدة كما يلي:
- يمثل الصك حصة في أصول (موجودات) مشروع معين فعلي بنظام المشاركة في الربح والخسارة، أما الثاني يمثل قرضًا (دين) بفائدة.
- كما أن عائد الصك حلال بينما عائد السند فائدة ربوية حرام.
- يضاف إلى ما سبق أن حامل الصك له الحق في المشاركة في إدارة المشروع وفي ربحه، بينما هذا الحق ليس مكفولاً لحامل السند.
- تتم كل معاملات الصكوك وفقًا لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، بينما لا يتحقق ذلك للسندات بفائدة.
● الفروق بين الصك والسهم:
من أهم الفروق هي خضوع كل معاملات الصكوك وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، بينما القوانين الحاكمة للأسهم لا تتضمن هذا الالتزام، يضاف إلى ذلك أن الصكوك تصدر مشروع معين لا يجوز تغييره، بينما يمكن لمجلس إدارة الشركة مصدرة الأسهم أن تغير من نشاطها، كما يجوز للدولة أن تقدم ضمانات على سبيل التبرع لحملة الصكوك للتحفيز بينما لا يتم ذلك بالنسبة لحملة الأسهم.
● الضوابط الشرعية والفنية للصكوك الإسلامية
من أهم الضوابط الشرعية والفنية التي تحكم إصدار وتداول الصكوك الإسلامية ما يلي:
- يحكم الصك عقود الاستثمار الإسلامية مثل: المشاركة، والمضاربة، السلم، الاستصناع، الإجارة.... ونحو ذلك من العقود غير المسماة (الحديثة) متى كانت تتفق مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
- يضبط الصكوك أحكام المشاركة، ومنها خلط الأموال والمشاركة في الربح والخسارة أي تطبيق مبدأ: الغنم بالغرم.
- يكون للجهة المصدرة للصكوك الاعتبارية المستقلة عن أشخاص المشتركين في الصكوك وهي المسئولة عن إدارة الصكوك.
- يتولى إدارة الصكوك الجهة المصدرة لها؛ وذلك مقابل نسبة شائعة من العائد وفقًا لفقه المشاركة، وأحيانًا قد يتفق المشاركون في الصكوك مع الجهة المصدرة (التي تقوم بالإدارة) على أن تقوم الأخيرة بالإدارة نظير عقد وكالة بأجر معلوم بصرف النظر عن تحقيق الأرباح، ويكون ذلك مستقلاًّ عن عقد المشاركة، ولقد أجاز الفقهاء ذلك.
- يجب أن ينص صراحةً في نشرة الاكتتاب طريقة توزيع العائد بين المشاركين في الصكوك وبين الجهة المصدرة للصكوك، ولا يجوز إرجاء ذلك لما بعد انتهاء المشروع أو العملية الممولة من الصكوك.
- يجوز أن يتدخل طرف ثالث لضمان رأس مال الصكوك أو ضمان حد أدنى للعائد، ويقوم بذلك على سبيل التبرع والمروءة، مثل الحكومة ولقد أجاز الفقهاء ذلك.
- إذا حدثت خسارة لا قدر الله بدون تقصير أو إهمال أو تعد من الجهة المصدرة للصكوك، والتي تتولى الإدارة، فتكون على المشاركين وليس على الجهة، والتي تكون قد خسرت جهدها، أما إذا ثبت تقصير وإهمال من الجهة التي تقوم بإدارة المشروع ففي هذه الحالة تتحمل هي الخسارة وفقًا لعقد المشاركة.
- يتم قياس العوائد (الأرباح) الفترية (الدورية) قبل نهاية أجل الصكوك وفقًا لمبدأ المحاسبة الفعلية أو المحاسبة الحكمية (التقديرية) في ضوء المعايير الشرعية التي تضبط ذلك.
- لا تثبت ملكية الأرباح الموزعة الدورية (الفترية) تحت الحساب إلا بعد سلامة رأس المال وفقا لمبدأ: "الربح وقاية لرأس المال" أي "لا ربح إلا بعد سلامة رأس المال".
- صيانة أمن وأمان وسيادة الدولة التي تنشأ فيها المشروعات التي تمول بالصكوك وحقوق الأجيال القادمة وفقًا للقاعدة الشرعية "لا ضرر ولا ضرار".
- يتم تداول الصكوك في سوق الأوراق المالية أو بأي وسيلة بديلة مناسبة وفق الضوابط الشرعية، ويتم تقويم الصك عند التداول عن طريق المساومة والتراضي بين البائع والمشتري؛ وذلك كله في ضوء اللوائح والشروط التي تنظم ذلك.
- يجوز للجهة المصدرة للصكوك أن تتعهد بإعادة شراء الصكوك من حامليها حسب القيمة السوقية لها أو بالسعر الذي تعرضه، ويتم ذلك بالتراضي بين الطرفين، ويتم استهلاك الصكوك إما مرة واحدة في نهاية أجل المشروع أو العملية أو على فترات دورية وهذا ما يطلق عليه إطفاء الصكوك، ويجب الإشارة إلى ذلك في نشرة الاكتتاب.
● أنواع صكوك الاستثمار الإسلامية
هناك أنواع متعددة لصكوك الاستثمار الإسلامية من أهمها ما يلي:
- صكوك استثمار بصيغة المضاربة في مشروع محدد ومخصص.
- صكوك استثمار بصيغة المضاربة في عدة مشروعات محددة.
- صكوك استثمار بصيغة الإجارة (تأجير خدمات).
- صكوك استثمار بصيغة السلم في مجال التنمية الزراعية.
- صكوك استثمار بصيغة الاستصناع في مجال التنمية الصناعية.
- صكوك استثمار بصيغة المزارعة أو المساقات أو المغارسة وأي نوع لا يتعارض مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، ويحكم كل هذه الصكوك فقه المعاملات باب فقه المضاربة وفقه الشركات وفقه استثمار المال.
● حقوق حملة الصكوك:
تتمثل أهم حقوق حملة الصكوك الاستثمارية الإسلامية في الآتي:
أولاً: حصة شائعة في موجودات المشروع الذي استثمرت فيه الأموال تزيد بزيادة قيمته وتقل بانخفاض قيمته.
ثانيًا: حصة في الربح حسب الوارد في عقد الشركة المصدرة للصكوك.
ثالثًا: حق حضور الجمعية العامة لحملة الصكوك والترشيح لعضوية مجلس إدارتها.
رابعًا: حق تداول الصك في سوق الأوراق المالية.
خامسًا: أي حقوق أخرى مثل الضمانات ضد التعدي والتقصير والإهمال.
● ضمانات لحملة الصكوك
من أهم ضمانات حملة الصكوك ما يلي:
أولاً: ضمانات شرعية؛ حيث يكون للمشروع الاستثماري للصكوك هيئة رقابة شرعية تضمن الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية، وأن المعاملات شرعية وأن الربح المتحقق من المشروع حلالاً طيبًا.
ثانيًا: ضمانات حكومية؛ تحصين مشروعات الصكوك من التأميم أو المصادرة أو الابتزاز ونحو ذلك وفقًا مما تقرها القوانين الحاكمة للصكوك، وهذا الضمان من مسئولية الدولة.
ثالثًا: ضمانات اقتصادية؛ وتعني أن للمشروع دراسة جدوى اقتصادية وليس مشروعًا وهميًّا أو شكليًّا؛ حيث يطمئن حامل الصك أن أمواله مستثمرة في مشروع له وجود فعلي.
رابعًا: ضمانات إدارية؛ ويقصد بها أن القائمين على أمر المشروع من ذوي الخبرة والكفاءة والأمانة والمصداقية.
● ضمانات للدولة مُنشئة الصكوك:
يجب أن يكون في عقد الصكوك ضمانات للدولة التي تقام فيه مشروعات الصكوك من الضمانات التي تحقق لها السيادة والأمن والأمان والمحافظة على أصولها الثابتة وعلى حقوق الأجيال القادمة؛ وذلك من تطبيق نظام حق الانتفاع وليس حق الرقابة، وكذلك الأجل المحدد المناسب الذي بعده يؤول المشروع إلى الدولة بدون مقابل، وكذلك حق الدولة في حماية البيئة والضرائب.
● دور صكوك الاستثمار في تمويل التنمية:
لقد نجحت صيغة صكوك الاستثمار الإسلامية في تمويل التنمية في العديد من الدول الإسلامية وغير الإسلامية مثل دول الخليج والأردن وماليزيا وإندونيسيا وفي بعض الدول الأوربية وتركيا، كما شاع تطبيقها بعد الأزمة المالية العالمية، وتعتبر من أحدث صيغ التمويل في العالم اليوم.
وتتسم هذه الصيغة بالعديد من المزايا التي تناسب شرائح عديدة من المستثمرين ورجال الأعمال والحكومات؛ لأنها تتسم بالمرونة وسهولة الإصدار والتداول وقلة المخاطر، كما أنها تستوعب شريحة من المستثمرين الذين لا يريدون المضارية في البورصة، وكذلك المستثمرين الذين لا يريدون الدخول في شبهات المعاملات الربوية مثل السندات بفائدة، ويرى خبراء المال والأعمال أن المستقبل لهذه الصيغة بعد أن أوصى بها مؤسسات التمويل العالمية وأقرَّتها مجامع الفقه الإسلامي.
الخلاصة:
سوف تُساهم صيغة التمويل بالصكوك الإسلامية في تمويل المشروعات القومية وغيرها دونما أي عبء على الموازنة، كما ستساهم في علاج مشكلة المديونية والعجز، ولقد طبقتها العديد من الدول الإسلامية وغير الإسلامية كبديل تمويلي بدلاً من نظام السندات بفائدة، فالمستقبل لصيغة التمويل بنظام الصكوك الاستثمارية.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.