الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ففي ظل نسيم "الحرية" الذي نعمت به بلادنا بعد "الثورة" نشأت بعض الأحزاب متعددة المشارب، متنوعة الأهداف، وكان منها ما يُدعى: "حزب النور".
يدعو مؤسسو هذا الحزب إلى ما يلي:
1- الشريعة الإسلامية هي المرجعية العليا، والمنهج الشامل والضابط للاجتهادات: السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، ليس الذي نعتقد هو الدولة الدينية التي تدعي "الحق الإلهي" في الحكم، وتحتكر وحدها الصواب في الرأي، ولا النموذج اللا ديني المتطرف؛ الذي يريد اقتلاع الأمة من جذورها، ويرون التداول السلمي للسلطة، وإقامة دولة عصرية تنتهج الأسس الحديثة، وتحترم حقوق التعايش، وتحافظ على مكونات الأمة على أساس الحق والعدل والحرية، وكفالة ممارسة الشعب حقه في تكوين أحزاب سياسية، وضمان حريتها، وكذلك اختيار الشعب نوابه وحكامه، ومراقبتهم ومحاسبتهم.
2- ضرورة النهوض بالأمة وتطوير جميع جوانب الحياة من: اقتصاد، وتعليم، وصحة، وغيرها، وكذلك الاهتمام بالبحث العلمي وتطبيق المواصفات القياسية، والاهتمام بالتطور الزراعي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتنمية الرقعة الزراعية، والثروة الحيوانية، والسمكية، والاستفادة من التقدم التكنولوجي، وتشجيع الاستثمار بالضوابط التي تحقق مصلحة "مصر"، وتحافظ على ملكية التراب المصري، والشركات الوطنية.
3- يرى المؤسسون أنه لا يمكن فصل كفاية وكفاءة منظومة الخدمات عن التقدم الاقتصادي للبلاد، ويرون ضرورة وضع خطة طويلة الأمد؛ للإصلاح المنشود في كل المجالات، مع الاستفادة من خبرات الدول الصديقة والمتميزة، وسد العجز في الخبرات عن طريق البعثات الخارجية، والتعليم عن بعد.
4- ضمان حقوق جميع أفراد الأسرة التي كفلها الإسلام، وحق الشباب في الشعور بملكيتهم وانتمائهم لوطنهم، وتحويل طاقاتهم الجبارة لطاقة بناء تُلحق "مصر" بمقعد الريادة، مع كفالة حرية التفكير والتعبير، والعمل، والعلاج، والحياة الكريمة.
هذه بعض أهدافهم كما أعلنوا عنها، والبقية -كذلك- مِن طالعها؛ وجد فيها مثل هذه وأكثر مما يصب في النهاية في مصلحة الشعب والوطن، وفي ضوء هذه الأهداف جعلتُ عنوان مقالي: "لا تنضم لحزب النور". أعني بذلك أنه لا يكفي أن تقتصر على انضمامك لهذا الحزب الذي لو قلتُ: "لم تر مصر في تاريخها مثله"؛ لما كنت مبالغًا!
إنه حزب كل مسلم في مواجهة التيارات العلمانية والليبرالية التي تريد للبلاد أن تسير إلى الهاوية، ومَن يطالع مبادئ وأهداف هذه الأحزاب؛ يظهر له بجلاء صحة ما أقول، ويكفي التدليل على أنهم يريدون منا أن نحذوا حذو الغرب في جميع المجالات، وهل حصَّل الغرب خيرًا أو شيئًا في جانب القيم والأخلاق؟! وهل يرعى الغرب فضيلة؟!
لا تقل لي: لكنه متطور.. متقدم في جانب التقنية والتقدم؛ لأنني سأرد: وما المانع أن نكون نحن أفضل منهم في هذا الجانب مع تمسكنا بديننا؟!
ومتى كان هذا الدين سببًا للتأخر والتخلف؟!
إنني أتحدى أن يأتي منصف بدليل واحد يتضح فيه أن التمسك بالدين يؤدي بالدولة إلى التخلف والرجعية من التاريخ القديم والحديث على حد سواء.
أتحدى مَن يثبت أن الالتزام بأحكام الإسلام -لا الأديان المحرفة كما كانت أوروبا في "العصور الوسطى"- ينتهي بنا إلى التخلف عن ركب الحضارة!
وأين من يقول بذلك من الحضارة الإسلامية الزاهرة في "العصور الوسطى" وقد كانت أوروبا -حينها ووقتها- تتخبط في الظلام؟! بل كانوا يرسلون البعثات إلى بلادنا؛ لينهلوا من معين العلم والمعرفة!
وهذه رسالة تدل على ما أقول أيام العز.. فقد وصلت رسالة إلى خليفة المسلمين في "الأندلس" أيام التقدم العظيم التي كانت عليه حضارتنا.
جاء في هذه الرسالة: "من جورج الثاني ملك "إنجلترا" و"السويد" و"النرويج" إلى الخليفة ملك المسلمين في "الأندلس" صاحب العظمة "هشام الثالث" الجليل المقام.
بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج من هذه الفضائل؛ لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم؛ لنشر العلم في بلادنا التي يسودها الجهل من أركانها الأربعة.
ولقد وضعنا ابنة شقيقنا الأمير "دوبابت" على رأس بعثة من بنات أشراف "إنجلترا" للتشرف بلثم أهداب العرش "بتقبيل أياديكم" تعظيمًا لتكون مع زميلاتها موضوع عناية عظمتكم، وحماية الحاشية الكريمة، وعطف من اللواتي سيتوفرن على تعليمهن، ولقد أرفقت مع ألأميرة الصغيرة هدية متواضعة لمقامكم الجليل، أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص "من خادمكم المطيع جورج. م. أ.". فكيف يخوفوننا هذه الأيام من التحاكم إلى الإسلام؟!
وهذه دعوة مني لكل منصف أن يقرأ كتابًا بعنوان: "هكذا كانوا يوم كنا"، وقد رسم بالأدلة والتواريخ صورة حية للطب والعلم والحضارة في الدولة المسلمة، وكيف اهتم المسلمون بذلك، وقارنه بما كانت عليه دول "أوروبا" في ذلك الوقت، وكذا كتاب: "من روائع حضارتنا" د. "مصطفى السباعي" علَّ مهزومًا يعتز بدينه وحضارته، ومهزوزًا يفيق من غفلته، طالعوا تاريخ المسلمين في "الأندلس" وكم كان فيها من جامعات نقلت عنها "أوروبا" جل علومها وحضارتها، ولا يشك عاقل أو منصف أن الشريعة كانت هي المحكمة في هذه الأزمان، فكيف جمعوا بين تحكيم الشرع والتقدم والتطور؟!
إنها ليست معادلة صعبة أو حسبة معقدة، لكنها شبه المضلين تروج على المغفلين الذين لا يستقون معارفهم إلا من الصحف الصفراء والسوداء، ولما يقرءوا التاريخ بعد.
إذن وفي ضوء ما سبق فإن دعاة "حزب النور" يريدون التمسك بالدين وتطبيق الشريعة، ورفع راية القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، مع الأخذ بزمام الحضارة والتقنية والتقدم، وصبغ ذلك كله بصبغة الإسلام.. يريد لـ"مصر" أن تعود مرة أخرى للصدارة والريادة، يضمنون لغير المسلمين أن يعيشوا في ظل عدل الإسلام، وتُكفل لهم حقوقهم في دولة الإسلام بلا ظلم ولا عدوان.. إلى غير ذلك من المطالب والأهداف.
إذن فهذا الحزب ومَن على شاكلته مِن الأحزاب التي ترفع نفس الراية تحتاج إلى مناصرة.. تحتاج لدعم وتأييد، وهو في الحقيقة دعم للإسلام وتقوية له في مقابل العلمنة البغيضة الوقحة، وكأننا في الأيام المقبلة سيصير الحال إلى فسطاط إسلام وفسطاط علمانية، قوم يريدون أن يحكمهم الله.. أن يحكمهم الإسلام، وينادون بذلك، وقوم يريدون تنحية الإسلام عن الحكم.. يريدون فصل الدين عن الدولة عن الحياة.. يريدون أن تحكم بما أفرزته العقول البشرية أوروبية وغيرها، وهل أعلم وأحكم من الله؟! جلَّ الله وتعالى عما يقولون علوًّا كبيرًا.
وقسم ثالث هو: جمهور الشعب الطيب المحب للدين، فماذا عليه أن يفعل؟ وإلى أي القسمين ينحاز؟
إنني أتألم جدًّا من منتسب للصحوة والدعوة الإسلامية ثم هو -إلى الآن- يقف موقف المتفرج لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء! والأمر جد فصل لا لهو ولا هزل، أين قرارك أيها المسلم الغيور على إسلامه ودينه؟!
أما علمتَ أن تاريخ "مصر" سيسطر هذه الأيام؟ أما علمت أن ما سيكون في الدستور القادم إما أن تنعم به أجيال وإما أن تشقى؟!
أنتخاذل ونتهاون حتى يُنحى الشرع من الدستور، وتلغى المادة الثانية؟!
أينادي العلمانيون وأمثالهم بضرورة كتابة الدستور قبل الانتخابات؛ لنيل مآربهم الخبيثة ونحن نشاهد ولا نتحرك؟!
إنها وقفة صدق لا بد لكل منا أن يقوم بها نحو هذه الأحزاب تعريفًا بها ونشرًا لمبادئها بين الناس، ودعوة إلى الانضمام إليها.. إنها مسئولية لا بد وأن يتحملها الجميع قبل أن تغرق السفينة.
إننا جميعًا نحتاج هذه الأيام لمال الصدِّيق، ونفقات عثمان -رضي الله عنهما-، وشجاعة الفاروق -رضي الله عنه-، وبذل علي -رضي الله عنه-، وحركة أم شريك -رضي الله عنها- التي كانت تدور على بيوت القرشيين تدعو النساء للإسلام، علم بها الكفار وكادوا يقتلونها، وما توقفت؛ فأين دور نسائنا في الدعوة للأحزاب الإسلامية الآن؟!
نحتاج -أيضًا- للسان حسان -رضي الله عنه-؛ ليدافع وينافح، ويدعو ويحرض على الخير، وعمله ونشره.. فهل من مجيب؟ ها هو الإسلام يمد يده إليكم فهل تسمعون؟
احذروا من المضلين الذين يسيئون وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، فيدَعون، بل ويكفِّرون أهل الدعوة؛ لدعوتهم الناس لمثل هذه الأحزاب، فقد كانوا قديمًا أذنابًا للسلطة، وهم الآن لا هم لهم سوى تشويه الصورة والصد عن العمل لدين الله -عز وجل-!
ثم كونوا على قدر المسئولية، فدعوتنا على بصيرة، فإذا دعا العلماء لمناصرة هذه الأحزاب فلأنهم يريدون الخير للأمة، ومن رأى غير ذلك من العلماء فنحن نحترم وجهة نظره ورأيه.. والمهم البصيرة، وليس فقط التشنيع لمجرد ذلك.
لماذا تغيرتم؟.. لماذا اتجهتم للسياسة؟ لماذا؟.. لماذا؟.. كلها تساؤلات أجاب عنها العلماء والدعاة فلم لا نسمع؟ ولما لا نراجع ما جاء في الندوات والمحاضرات حول هذا الموضوع المهم لتكون على بصيرة؟ ألا يستحق الأمر شيئًا من الاهتمام بدلاً من نقل وترديد الكلام وكثرة الاتهام؟!
لا أجد ما أختم به مقالي سوى فتوى فضيلة الدكتور "ياسر برهامي" حول الانضمام لـ"حزب النور"؛ فلعل فيها نفعًا وفائدة:
فتوى
حكم الانضمام إلى "الأحزاب الإسلامية ذات المرجعية الإسلامية"
للشيخ ياسر برهامي
السؤال:
هل الانضمام إلى "حزب النور" من التحزب المذموم المنهي عنه أم هو مباح؟ مع شرح دليل الإباحة. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
"فالانضمام للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية؛ خاصة التي ينتمي القائمون عليها للمنهج السلفي بغرض السعي إلى إقامة الدين، وما يمكن مِن الواجبات الشرعية، والمحافظة على الهوية الإسلامية للأمة هو مِن التعاون على البر والتقوى، وإنما التحزب المذموم هو: الإعانة على الجاهلية وإقامة دعواها، وإنما نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التناصر والتعاضد على الباطل، والتقليد الأعمى المذموم فقال: (مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟!.. دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ) (متفق عليه).
والمجال السياسي أحد مجالات الدعوة إلى الإسلام إن لم يكن في واقعنا الآن مِن أهمها وأخطرها على الإطلاق، فالعمل الإسلامي في المجال السياسي غيظ الأعداء، وخطر داهم على مشروعاتهم "العلمانية" و"الليبرالية".
ووجود "عمل سياسي ذو مرجعية سلفية"؛ هو سبب لتصحيح مسار باقي الاتجاهات والأحزاب الإسلامية التي تبادر إلى تقديم تنازلات للمنافقين، فحين يوجد ضغط سلفي قوي بانضمام عدد كبير من الناس للأحزاب ذات المرجعية السلفية -وقد تأسس بحمد الله "حزب النور" وظهر إلى النور- سوف يتوقف سلم التنازلات.
وقد رأينا أثر ذلك واضحًا في قضية "مرجعية الشريعة".. كيف تراجع عن المطالبة بتعديل المادة الثانية أو إلغائها كل من كان ينادي بذلك من "العلمانيين"، بل حتى الكافرين المعلنين بكفرهم؟! بعد حملة المحافظة على هوية الأمة، وعدم المساس بالمادة الثانية التي قامت بها "الدعوة السلفية" رغم الأصوات المعارضة حتى مِن الإسلاميين، بل حتى مِن بعض السلفيين؛ بزعم أنها لا توجد مطالبة للتعديل!
فمع وجود العمل السياسي المنظم -ولا يمكن ذلك إلا من خلال الأحزاب الرسمية- سيكون الضغط أكبر والتأثير -إن شاء الله- أقوى، ونحن مقبلون على معركة أكبر في موضوع "كتابة الدستور الجديد"، فكيف يمكن أن نغيب عنه؟!
وحين قلنا: إن الدعاة إلى الله لن يكونوا حزبًا، ولن تتحول الدعوة إلى حزب قصدنا: عدم ترك الدعاة لأمر الدعوة والتربية -الذي هو الأصل- والانشغال بالعمل السياسي، ولكن تتقدم إليه طائفة قادرة على توصيل الحق للناس في هذا المجال فهو مِن باب تقسيم الأعمال، ولا يتصور أن يُعرض جميع طلاب العلم والدعاة عن العمل السياسي؛ فيتصدر مَن لا يفهم ولا يحسن عرض المشروع الإسلامي في الجانب السياسي، بل يكفي أن يتفرغ الدعاة الكبار للدعوة ويشارك في الحزب باقي أفراد الدعوة، ويقوموا بحسن توجيه السياسيين حتى لا يحصل الفصل المريب بين الدين والدعوة مِن جانب، والسياسة من جانب آخر.
فتقسيم العمل يؤدي إلى تكامله وتعاضده وقوته، وألا يضيع من الخير شيئًا يمكن تحقيقه، كما أن الحزب في حاجة ماسة إلى اشتراكات أعضائه؛ لأنه كما علمت ليس له أي مصادر؛ لتمويل مشروعاته إلا اشتراكات الأعضاء.
فأنا أنصح الإخوة بالانضمام لـ"حزب النور" الذي أصبح رسميًّا -بحمد الله-، ونحن نهنئ الإخوة القائمين عليه، وعلى رأسهم الأخ الحبيب "د. عماد عبد الغفور"، وبذلك النجاح الذي ندعو الله أن تعقبه نجاحات أكبر. والله المستعان".