قال -تعالى-: (فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ)، بقي موسى -عليه السلام- يتضرع إلى الله بأنواع التضرعات حتى يرد أرواحهم إليهم؛ فماذا يصنع بعد اختيار سبعين رجلاً من الخيار، أيعود وقد ماتوا؟ أيعود إلى بني إسرائيل فلا يجد فيهم من يقوم بأمرهم ويعاونه بعد أن هلك أفضل سبعين رجلاً؟
الشعور بتحمل المسئولية في الأمة وأنه لن يجد خيارًا يقودون الناس في دين الله -عز وجل- جعله يتضرع إلى الله بأنواع التضرعات ليرد عليهم أرواحهم، فأحياهم الله بعد موتهم؛ إكرامًا لموسى -عليه السلام-، وحفظًا لبني إسرائيل؛ توبة من الله ومنة عليهم.
لقد أشفق موسى -عليه السلام- أن يعود إلى بني إسرائيل بلا خيارهم؛ فالحياة بلا أفاضل الحياة وبلا معينين على الحق أمرٌ لا يحتمل، ويُذكر أن هارون قد مات في هذه الأوقات، فلم يعد هناك لموسى -عليه السلام- إلا هؤلاء الأخيار يكونون عونًا له، وهم الذين تولوا قتل من عبد العجل في توبة الله التي استجابوا لأمر الله بها، وكان هذا أمرًا عظيمًا شديدًا لا يمكن أن يتم دون وجود أخيار لذلك.
وقال موسى -عليه السلام- في تضرعه: (أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا)، فهلاك للأمة أن يهلك خيارها بفعل سفهائها الذين عبدوا العجل، وهذا من أوضح ما يقوي قول من قال: أخذتهم الرجفة؛ لأنهم لم يزايلوا قومهم في عبادة العجل، فموسى -عليه السلام- يعتذر؛ لأن هذا ليس فعل الجميع، بل فعل السفهاء، والخطر -والله- كبير من فعل السفهاء إذا تصدروا، فكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يستعيذ بالله من رأس الستين وإمارة السفهاء.