والله -عز وجل- قد اصطفى الأنبياء، وأمرهم بأن يصطفوا لأقوامهم مَن يصلح لقيادة أمتهم، وهذه قضية عظيمة الأهمية في التربية والتوجيه؛ فإنه لا يستوي أبناء الرجل الواحد، ولا يستوي أهل المحلة الواحدة، ولا أهل الوطن الواحد؛ وإنما يكون الاختيار بناءً على الخيرية، فالخيِّر مَن سبق إلى الله -سبحانه وتعالى- بطاعته، فهو السابق في الدنيا والآخرة، وهذا الذي ينبغي أن يُقدَّم، فالله هو المقدم والمؤخر؛ فمَن قدمه الله -عز وجل- إلى طاعته فهو المقدَّم، ومن أخره فهو المؤخر، والمبادرة إلى الخيرات سبب الفوز عند الله -تعالى-.
فمَن تقدم في العلم أو العبادة أو العمل الصالح أو خدمة المسلمين؛ فهذا الذي ينبغي أن يُنتقى، فلا يؤخذ أي شخص ويوضع في أي مهمة أو أي وظيفة؛ فإن من أعظم أسباب فساد الأمم أن تسند الأمور إلى غير أهلها كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن سأله: "متى الساعة؟"، فقال: (إِذَا ضُيِّعَتْ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ)، قَالَ: "كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟"، قَالَ: (إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ) (رواه البخاري).
وعندما يكون هناك اختيار لولايات أو أمانات أو مهمات أو مسئوليات فلابد من النظر إلى من يوكَّل أمر الاختيار، وما هي الصفات التي يختار بناءً عليها، فإذا اختل هذان الأمران حصل أنواع الفساد.
إلى من يوكَّل الاختيار؟
لابد أن يُنظر إلى من يوكَّل الاختيار، ولذا تجد أمم العالم تضطرب يمينًا وشمالاً في الجهالات؛ لأنها تقدِّم إلى قيادتها من ينزلها دار البوار كما قال -تعالى- عن فرعون: (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) (هود:98)، وقال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ . جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) (إبراهيم:28-29)؛ أحلوا قومهم دار البوار حين تركوا طاعة الرسل، واتبعوا هؤلاء المجرمين الذين يصدون عن سبيل الله، وقال -تعالى-: (قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلا خَسَارًا) (نوح:21)، فحين يوكل أمر الاختيار إلى الجهلاء -فضلاً عن أن يوكل إلى الكفرة والمنافقين- يكون ذلك من أعظم الفساد.
لقد كان اختيار طالوت ملكًا عن طريق نبي بني إسرائيل -عليه السلام-، قال الله -تعالى-: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:246-247).
وهكذا أيضًا صنع موسى -عليه السلام-؛ فقد أمره الله -عز وجل- أن يجتبي اثنى عشر قائدًا من أسباط بني إسرائيل الاثنى عشر، فبعث من قومه اثنى عشر نقيبًا، وكذلك قال الله في شأن اختيار سبعين رجلا لميقاته (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا لِمِيقَاتِنَا) (الأعراف:155).
وهكذا كان الحال في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فهذا هو الواجب؛ أن يكون الأنبياء وورثة الأنبياء بعدهم من العلماء الربانيِّين هم الذين يختارون مَن يصلح لقيادة الأمة.