yaser
عدد المساهمات : 283 تاريخ التسجيل : 08/01/2009
| موضوع: هل وقع أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاةٍ وهو جنب ناسيا ؟ الجمعة مايو 08, 2009 11:40 pm | |
| هل وقع أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاةٍ وهو جنب ناسيا ؟ نريد جوابا شافيا عن هذا الحديث : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة ، فلما كبر انصرف وأومأ إليهم أن كما كنتم . ثم خرج فاغتسل ، ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم . فلما صلى قال : ( إني كنت جنبا فنسيت أن أغتسل ) رواه أحمد . الحمد لله أولا : رُويت هذه الحادثة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في كتب السنة ، وحاصلها أن الناس حين أتموا صفوفهم للصلاة وراءه صلى الله عليه وسلم ، وقام منهم مقام المصلي بهم ، تذكَّر أنه كان جنبا ، فأشار إليهم ليبقوا في أماكنهم ، وانصرف واغتسل وأتاهم ورأسه يقطر ماء. ولكن وقع اختلاف في الروايات : هل كَبَّر النبي صلى الله عليه وسلم ثم تذكَّر أنه جنب ، أم تذكر قبل تكبيرة الإحرام ؟ ومحصل الروايات فيها على الأوجه الآتية : 1- لفظ صريح في أنه تذكر الجنابة قبل الشروع في الصلاة : يروي هذا اللفظ عبد الله بن وهب عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة رضي الله عنه ، كما هو في صحيح مسلم (605) ، وهذا لفظه : ( أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَقُمْنَا فَعَدَّلْنَا الصُّفُوفَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ ، ذَكَرَ فَانْصَرَفَ ، وَقَالَ لَنَا : مَكَانَكُمْ ، فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا نَنْتَظِرُهُ حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا وَقَدْ اغْتَسَلَ ، يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً، فَكَبَّرَ فَصَلَّى بِنَا ) . وصالح بن كيسان عن الزهري – كما عند البخاري (639) – بلفظ : ( حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلاَهُ انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ ، انْصَرَفَ ، قَالَ : عَلَى مَكَانِكُمْ ، فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً ،وَقَدْ اغْتَسَلَ ) . 2- لفظ صريح في أنه كبر ودخل في الصلاة ثم تذكر أنه جنب : وهذا يرويه أسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة رضى الله عنه – كما عند ابن ماجه في "السنن" (1220) والدارقطني (1/361) والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/397) – ولفظه : ( خرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ وَكَبَّرَ ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ ، فَمَكَثُوا ، ثُمَّ انْطَلَقَ فَاغْتَسَلَ ، وَكَانَ رَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً ، فَصَلَّى بِهِمْ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : إِنِّي خَرَجْتُ إِلَيْكُمْ جُنُبًا ، وَإِنِّي نَسِيتُ حَتَّى قُمْتُ فِي الصَّلَاةِ ) . غير أن هذه الطريق فيها ضعف من قبل أسامة بن زيد الليثي ، أبو زيد المدني ، جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (1/209) : " تركه يحيى بن سعيد بآخره ، قال أحمد : ليس بشيء . وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به . وقال النسائي : ليس بالقوي . وقال ابن حبان : يخطئ وهو مستقيم الأمر صحيح الكتاب " انتهى بتصرف واختصار . ولم يرد توثيقه إلا عن يحيى بن معين ، مع أن في رواية أخرى عنه أنه قال فيه: أنكروا عليه أحاديث. وجاء هذا اللفظ أيضا من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ (كَبَّرَ بِهِمْ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ ، ثُمَّ انْطَلَقَ ، فَرَجَعَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ ، فَصَلَّى بِهِمْ ، فَقَالَ : إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، وَإِنِّي كُنْتُ جُنُبًا فَنَسِيتُ ) رواه الطبراني في "الأوسط" (5/317) وفي "الصغير" (2/74) وقال : لم يروه عن ابن عون إلا الحسن بن عبد الرحمن تفرد به أبو الربيع الحارثي . ورواه البيهقي أيضا (2/398) ، ولكنَّ وصلَ هذه الرواية خطأ ، والصواب : عن محمد بن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لدليلين اثنين : الأول : مخالفة الثقات من أصحاب ابن عون رواية الحسن بن عبد الرحمن . فقد قال البيهقي : " ورواه إسماعيل بن علية وغيره عن ابن عون عن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، وهو المحفوظ " انتهى . الثاني : متابعة آخرين لابن عون بروايته مرسلا : قال أبو داود (233) : " وَرَوَاهُ أَيُّوبُ وَابْنُ عَوْنٍ وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ مُرْسَلاً عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم " انتهى . وقال البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (1306) : " وكذلك رواه أيوب ، وهشام عن محمد ، مرسلا ، ورواه الحسن بن عبد الرحمن الحارثي عن ابن عون ، عن محمد ، عن أبي هريرة ، مسندا ، والأول أصح " انتهى . وقد جاءت بعض الشواهد في أحاديث أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم تذكر الجنابة بعد أن كبر ودخل في الصلاة : 1- عَنْ الحسن عن أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنْ مَكَانَكُمْ ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَصَلَّى بِهِمْ ) . رواه أبو داود (233) وأحمد (5/41) وابن خزيمة (3/62) وابن حبان (6/5) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/94) والطحاوي في "بيان مشكل الآثار" (2/86) وفي بعض ألفاظه : ( وكبَّر ) قال ابن رجب في "فتح الباري" (3/599) : " وحديث الحسن عن أبي بكرة في معنى المرسل ؛ لأن الحسن لم يسمع من أبي بكرة عند الإمام أحمد والأكثرين من المتقدمين " انتهى . 2- عن أنس بن مالك قال : ( دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى صَلاَتِهِ ، فَكَبَّرَ وَكَبَّرْنَا مَعَهُ ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى الْقَوْمِ : كَمَا أَنْتُمْ . فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا حَتَّى أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِ اغْتَسَلَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً ) . رواه الدارقطني (1/362) والطبراني في "الأوسط" (4/92) والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/399) من طريق معاذ العنبري عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس به . وقد روي هذا الحديث مرسلا عن قتادة عن بكر بن عبد الله المزني . 3- عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ : ( صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَانْصَرَفَ ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً ، فَصَلَّى بِنَا ، ثُمَّ قَالَ : إِنِّي صَلَّيْتُ بِكُمْ آنِفًا وَأَنَا جُنُبٌ ، فَمَنْ أَصَابَهُ مِثْلُ الَّذِي أَصَابَنِي أَوْ وَجَدَ رِزًّا فِي بَطْنِهِ فَلْيَصْنَعْ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ ) رواه أحمد (1/99) والطبراني (6/272) والبزار (890) وفي إسناده ابن لهيعة، وفيه ضعف. قال الطبراني في "الأوسط" (6/272) : لا يروى هذا الحديث عن علي إلا بهذا الإسناد ، تفرد به ابن لهيعة . 4- عن عطاء بن يسار : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ فِي صَلاَةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنِ امْكُثُوا ، فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ ) رواه مالك في الموطأ (1/48/رقم 110) بسند صحيح إلى عطاء وهو من التابعين . قال البيهقي في "السنن الكبرى" (2/398) : " ورواية أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أصح من رواية ابن ثوبان عنه ، إلا أن مع رواية ابن ثوبان عنه رواية أبي بكرة مسندة ، ورواية عطاء بن يسار وابن سيرين مرسلة ، وروي أيضا عن أنس بن مالك " انتهى . والخلاصة : أنه لما اجتمعت هذه الطرق الكثيرة على الرواية التي فيها إثبات تكبير النبي صلى الله عليه وسلم ودخوله في الصلاة قبل تذكره الجنابة ، وخاصة المراسيل الصحيحة عن ابن سيرين وبكر المزني وعطاء بن يسار ، كل ذلك يدل على صحة الحادثة ووقوعها ، وأنه لا تعارض بينها وبين رواية أبي هريرة لها بأن ذلك كان قبل التكبير ، إذ يمكن تكرار الحادثة ، ووقوعها مرة هكذا ومرة هكذا ، وبهذا يمكن توجيه اختلاف الروايات . قال أبو حاتم ابن حبان في "صحيحه" (6/7) : " هذان فعلان في موضعين متباينين ، خرج صلى الله عليه وسلم مرة فكبر ثم ذكر أنه جنب فانصرف فاغتسل ثم جاء فاستأنف بهم الصلاة . وجاء مرة أخرى فلما وقف ليكبر ذكر أنه جنب قبل أن يكبر ، فذهب فاغتسل ثم رجع فأقام بهم الصلاة . من غير أن يكون بين الخبرين تضاد ولا تهاتر " انتهى . وقال النووي في "شرح مسلم" (5/103) : " ويحتمل أنهما قضيتان ، وهو الأظهر " انتهى . وليس فيه أي إشكال والحمد لله ، فالنبي صلى الله عليه وسلم بشر ، ينسى كما ينسى الناس ، وقد سهى في صلاته مرات عديدة ، ولم ينكر أحد من أهل العلم ذلك ، غير أنهم قالوا إنه معصوم عن نسيان شيء من الوحي نسيانا تاما بحيث يترتب عليه ضياعه . ثانيا : أما عن فقه الحديث وما يستنبط منه : ففيه دليل على أنه إذا صلى الإمام بالناس على غير طهارة نسيانا ، فإن صلاة المأمومين لا تتأثر ، وتبقى على صحتها وإجزائها ، وأن الإمام هو الذي يؤمر بالإعادة فقط ، دون المأمومين . وجهُ ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع فاغتسل ثم جاء فكبر لصلاته ، والناس وراءه على صفوفهم وفي صلاتهم ، لم يأمرهم أن يعيدوا معه التكبير . قال ابن رجب في "فتح الباري" (3/600-602) : " وليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى على ما مضى من تكبيرة الإحرام وهو ناس لجنابته ، فلم يبق إلا أحد وجهين : أحدهما : أن يكون صلى الله عليه وسلم لما رجع كبر للإحرام ، وكبر الناس معه . والثاني : أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استأنف تكبيرة الإحرام ، وبنى الناس خلفه على تكبيرهم الماضي . وهذا هو الذي أشار إليه الشافعي ، وجعله عمدة على صحة صلاة المتطهر خلف إمام صلى محدثاً ناسياً لحدثه . قال ابن عبد البر : وقد وافق الشافعي على ذلك بعض أصحاب مالك . وعن الإمام أحمد في ابتداء المأمومين وإتمامهم الصلاة إذا اقتدوا بمن نسي حدثه ، ثم علم به في أثناء صلاته – روايتان . وروي عن الحسن ، أنهم يتمون صلاتهم . ومذهب الشافعي : لا فرق بين أن يكون الإمام ناسياً لحدثه أو ذاكراً له إذا لم يعلم المأموم ، أنه لا إعادة على المأموم . وهو قول ابن نافع من المالكية ، وحكاه ابن عبد البر عن جمهور فقهاء الأمصار وأهل الحديث . وعن مالك وأحمد : على الماموم الإعادة . وقال حماد وأبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري- في أشهر الروايتين عنه - : يعيد المأموم وإن كان الإمام ناسياً ولم يذكر حتى فرغ من صلاته " انتهى باختصار . والله أعلم .
الشيخ محمد صالح المنجد التصنيف العام العبادات [/left][/left] | |
|